12 - 05 - 2025

مؤشرات| مصر وقرار مصيري لـ"الناتو العربي"

مؤشرات| مصر وقرار مصيري لـ

خبر مهم من وجهة نظري مر مرور الكرام على الصحافة ووسائل الإعلام، دون إبداء الإهتمام به، وهو قرار انسحاب مصر من مشروع تشكيل حلف "الناتو العربي" وذلك قبيل ساعات من اللقاء الذي عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في واشنطن مؤخرا.

القرار حتما جاء بعد دراسات سياسية وإستراتيجية وأمنية قامت بها أجهزة عديدة، حول تبعيات مثل هذا الحلف، والذي استهدف نقل الصراع "العربي الإسرائيلي" إلى صراع "عربي إيراني" لتخوض دول التحالف الجديد حربا طويلة وصراعا ممتدا لا ناقة ولا جمل لها فيه سوى بعض الخلافات والنزاعات التي يمكن الحوار حولها، بالرغم من أن هناك أطماع إيرانية في المنطقة، ولكنها ليست أقل من الأطماع الإسرائيلية المدعومة من أمريكا.

ورغم الخلاف السياسي بين بعض الدول العربية وإيران، إلا أن هناك قاسم مشترك بينهما وهو أن إسرائيل عدو مشترك، وإن كانت هناك أشكال من التعاون أو الإتصالات بين تل أبيب وعواصم عربية، ولكن مكمن الخطر الحقيقي هو أن الراعي الأميريكي لتحالف "الناتو العربي" وبدعم من دونالد ترامب، هو السعي بكل قوة إلى إدخال دول التحالف لحقل ألغام حرب مع إيران لا تنتهي، وحرق الجيوش العربية أو ما تبقى منها، والجيش المصري بشكل أكثر تحديدا في حروب ممتدة، وخوض معارك نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تريد أن تظل هذه المنطقة من العالم في صراعات لا تنتهي، وتظل بعيدا عن عدوها الأول "الكيان الصهيوني".

وأرى من هذا المنطلق أن الدولة المصرية وعت هذا الأمر بشكل جيد، واستشعرت الخطر الأكبر الذي يلوح في الأفق، من "ناتو عربي" يواجه إيران، ولا يواجه العدو القابع على الحدود مع أربع دول عربية، ويحتل أجزاءً من بلدان عربية، ومدعوم بقرارات من عدو أخر "أمريكي" لا يتورع في اتخاذ قرارات حمقاء تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالجولان "السوري العربي" المحتل كأرض إسرائيلية، ويدور هذا الأحمق الجالس في البيت البيض من باب آخر، ليدعم تكوين حلف عربي لمواجهة إيران.

والسؤال المهم هل يأمن المخطط الإستراتيجي العربي، لمثل هذا المدعي بأنه يخاف على العرب من إيران؟!، أعتقد أن الإجابة بالنفي لمن يملك أدنى فطنة سياسية، وأنها كذبة كبيرة، ومحاولة لإفساح الطريق أمام مزيد من الأطماع "الصهيونية الأميريكية" في المنطقة، والإلهاء عن قرارات أكثر خطورة ضد العرب وحقوقهم التاريخية.

وحسنا فعلت الدولة المصرية بإبلاغ الولايات المتحدة ، قبيل زيارة الرئيس السيسي ولقائه بدونالد ترامب بقرار الإنسحاب من المساعي الأمريكية لتشكيل "الناتو العربي" والذي يستهدف ضم الحلفاء العرب الرئيسيين، وهو ما اعتبره المراقبون ضربة قاسمة لمساعي إدارة الرئيس دونالد ترامب لاحتواء نفوذ إيران، وقطع الطريق على ترامب لفتح حوار حول هذا الملف خلال المباحثات مع الرئيس السيسي، والتي جرت، من وجهة نظري، في أجواء غير حميمية على غير المعتاد، خصوصا في ظل حالة من العجرفة الأميريكية والإستهانة بالعرب وحقوقهم.

والمهم أيضا أن الدولة المصرية حرصت في ذات الوقت على ابلاغ أطراف فاعلة في مشروع التحالف، والذي حتما لن يكون له حياة دون مصر، والذي من المفترض أن يضم أيضا الولايات المتحدة والسعودية الإمارات والكويت والبحرين وقطر وعمان والأردن.

وأشك كثيرا في أي محاولة لاقناع مصر بالعدول عن قرار الإنسحاب من "الناتو العربي" أو ما يسمى بـ"التحالف الإستراتيجي في الشرق الأوسط"، خصوصا أن الملاحظة المهمة أن قرار مصر جاء قبيل عقد اجتماع بشأنه في الرياض، بحوالي 48 ساعة والذي لم تشارك فيه مصر، وقبيل اجتماع "السيسي وترامب" في واشنطن، والذي لم تتسرب أنباء بشأن التطرق إليه اطلاقا في الإجتماعات، وكذلك مشروع "صفقة القرن" الأمريكية.

وسيظل مصير هذا التحالف مجهول، في ضوء الموقف المصري الذي جاء صدمة للخطوات الأمريكية في عهد "ترامب"، كما أن أي جهود من الدول الأخرى المدرجة ضمن مشروع "التحالف"، مرهونة بالفشل، والمؤكد أن الدولة المصرية اتخذت قرارا مصيريا، يؤكد على مواقفها التاريخية، والحفاظ على مكانتها كقائد في هذه المنطقة الساخنة في العالم، وليدرك العالم أن مصر في كل عهودها أنها المحرك لأي تعاون، وتمتلك الرؤية الأدق في قضايا المنطقة، وتدرك جيدا مكمن الخطر، مهما كانت عثراتها.

وحتما قد مات موعد أي قمة ناجحة في الولايات المتحدة للتوقيع على هذا التحالف.
--------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ثقوب مميتة من حادث غاز الواحات والبنزين المغشوش